لا يحتاج الأمر إلى كثير من التركيز ليدرك المرء أن الشيخ "متبولي العشراوي" هو الاسم الحركي الذي أطلقته "إيناس الدغيدي" على الشيخ الراحل "محمد متولي الشعراوي" –رحمه الله- كما أن الممثل الذي أدى دوره أخذ كثيرا من "ملازماته" وأسلوبه في الحوار وأيضاً ملامحه، وبدأ في تقليده في مشهد يجمع بين الأميرة "ديانا" والشيخ "الشعراوي".
إنها القصة المتخيلة في فيلم "مجنون أميرة"، التي تقدم علاقة بين شاب مصري يؤدي دوره الممثل الجديد "مصطفى هريدي" مع الأميرة "ديانا" التي تؤدي دورها المطربة السورية "نورا رحال". الشاب يحلم بأنه على علاقة حب بالأميرة، وهي تبادله مشاعره، في أحداث الفيلم التي تجري قبل عام 1997، أي قبل حادثة اغتيال الأميرة "ديانا".. الفيلم يقع بين الخيال والحقيقة.. والبداية مع "مصطفى هريدي" الذي يقود دراجته مخترقاً شوارع القاهرة حاملاً البيض أمامه ثم تنحرف العجلة، ويقع البيض، وفي إحدى الحدائق ينام ويلتقي مع حلمه الأميرة "ديانا" ويتخيل أنه في الهرم، وفي إحدى حجراته يستغرق في النوم وبين أحضانه "ديانا".. ثم يصحو على صوت أمه "هياتم"
وخطيبته "أحلام" التي تؤدي دورها "شمس" ولا يراها بالطبع سوى "كابوسا" بالقياس بالأميرة!
القصة كتبها "أشرف شتيوي"، وسيناريو وحوار "مصطفى محرم"، وتتناول حكاية الحب –الافتراضية– بين الشاب المصري و"ديانا".. والخط الثاني يتناول الحديث عن الدين الإسلامي وعلاقته بالآخر، سواء الأديان أو الجنسيات والأعراق الأخرى.. أما الخط الثالث، فيقدم
محاولة اغتيال "ديانا"، ويشير في النهاية إلى أن الحادث مدبر.
الفيلم يعبر في جزء منه عن أفكار "إيناس الدغيدي"، ومنها على سبيل المثال رأيها المعلن في الحجاب.. وربما لم تستطع رقابيًّا أن تقدم
رأيها بأكثر من لمحات، ولكن يبقى الأهم بالنسبة لها، وهو علاقة الدين الإسلامي بالآخر، وذلك من خلال علاقة الأميرة "ديانا" بالإسلام وحرصها على أن تتعرف طقوسه وأفكاره، وهكذا نراها تذهب إلى الشيخ "الشعراوي" لتلتمس عنده حقيقة الإسلام، بعد أن تم تصدير صورة ذهنية كاذبة عن الإسلام للغرب على اعتبار أن "الشعراوي" هو الشيخ الأكثر شهرة، الخارج أيضاً عن المؤسسة الرسمية للدولة.
لكننا نرى الشيخ كأنه يعد خطة لإسلام "ديانا" وهو يعطيها "طعماً" لكي تقترب أكثر من الإسلام، لندرك أنه لا يحض على القتال ضد المختلف دينيًّا.. ولكنها لا ترتاح إلى آراء الشيخ "الشعراوي"، وتذهب إلى الشيخ الذي يمثل الدولة رسميًّا، وهو شيخ الجامع الأزهر الذي
يقدم لها مفهوماً عصريًّا للإسلام!
كل تلك الخطوط الدرامية وغيرها تظل بين الحقيقة والوهم، خاصة أننا نلتقي مرتين مع الأميرة"ديانا".. مرة وهي تنتحل شخصية أخرى "كرستينا"؛ حيث تنكرت قبل أن تأتي للقاهرة، وجاءت في زيارة غير رسمية.. ومرة أخرى بعد أن جاءت -الأميرة "ديانا"- وكانت تريد أن
تعرف أكثر عن الإسلام، وما هو تفسير الآية: "إن الدين عند الله الإسلام"، فهل معنى ذلك أن المسلمين يرفضون الأديان الأخرى؟ ويتم التفسير الصحيح للآية، فهي لا تعني أن الإسلام فقط هو الدين الوحيد الذي تعترف به الديانة الإسلامية.. ويتعرض الفيلم أيضاً للعنف الذي
يرتدي الزي الإسلامي، وهو ما كان قد وصل الذروة في مصر، في منتصف التسعينيات (زمن أحداث الفيلم).
وتعود أحداث الفيلم للخطين الرئيسين المتوازيين: الأول الحب الجارف الذي يحمله "مصطفى هريدي" للأميرة، ويصل في نهاية الأحداث؛ حيث يتمكن من إنقاذها ويموت هو..
ثم تأتي اللقطات الأخيرة لتؤكد الخط الأخير في الأحداث، وهو أن حرس الأميرة بعد أن فشلوا في قتلها في مصر، نجحوا في تحقيق ذلك في فرنسا. وينتهي الفيلم بصورة من الأرشيف للأميرة "ديانا" وهي في النعش!
دائماً تحرص "إيناس" على أن تثير في أفلامها قضايا ساخنة وحيوية، مثل الحرية في فيلم "الباحثات عن الحرية" أو زواج البنات في سن
مبكر لأثرياء عرب مقابل الحصول على أموال في فيلم "لحم رخيص" أو عن أسلوب معاملة البنات والأولاد في سن المراهقة "مذكرات مراهقة".
دائماً ما تتصدى "إيناس" لقضايا مهمة ومحورية في حياتنا، لكنها لا تخلص أبداً في معالجتها دراميًّا أو فكريًّا.. وهذه المرة وقع اختيارها بالفيلم على علاقة الإسلام بالآخر، وأن الإسلام في عمقه لا يرفع سلاحا، ولا يجبر أحدا على اعتناقه، لكنها كالعادة أضاعتها؛ لأنها أخذت فقط السطح، ولم تتعمق أكثر من ذلك.
المفروض أن الفيلم روحه ساخرة، ويقدم ابتسامة من خلال الممثل "مصطفى هريدي"، ولكن طاقة "هريدي" ككوميديان محدودة جدًّا لا تتعدى
الأدوار الثانوية التي كان يشارك فيها في عديد من الأفلام.
بينما أرى أن الفنانة اللبنانية "نورا رحال" في أول تجربة لها نجحت، إلى حدّ بعيد، في أداء دورها، وتمثلت روح الأميرة "ديانا"، وساعدتها
ملامحها والمكياج في تأكيد ذلك، وهي -كوجه جديد- تمتلك بالفعل أدوات فن الأداء، ولديها حضور وتلقائية أمام الكاميرا.
وتبقى الصورة التي أسهم في صنعها مدير التصوير -هشام سري- والمونتير -معتز الكاتب- بالإضافة إلى موسيقى "راجح داود".. وكلها حملت إبداعاً خاصاً، إلا أن مأزق الفيلم هو أن "إيناس" تصدت إلى قضية شائكة وحساسة، وهي غير مؤهلة لذلك.. وكالعادة أضاعتها!
by(RAHEEM)