خامساً: رمضان شهر الأخلاقلقد لخّص رسول الله صلى الله عليه وسلم المهمة التي بعث من اجلها بأنها لإتمام مكارم الأخلاق فقال
![Sad](/users/4111/92/71/58/smiles/731836.gif)
إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) أحمد، كما جعل من اقرب الناس منه مجلساً يوم القيامة (
أحاسنكم أخلاقاً ) الترمذي. وقد وصف ربنا تبارك وتعالى أخلاق نبيه بأنها على درجة عالية من العظمة فقال تعالى : {
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [ القلم : 4 ] . فالإسلام رسالة الأخلاق بامتياز، رمضان شهر تجديد الالتزام بأخلاق الإسلام بامتياز أيضاً ، ومن هذه الأخلاق:
1- خلق الصبر: فرمضان مدرسة الصبر الجميل تبدأ مع تحمّل مشاق الجوع والعطش والبعد عن ملذات الدنيا وحلالها رغم الاستطاعة عليه عن طيب نفس وخاطر، وما ذلك إلا ليتعلم المسلم الصبر على مشاق الحياة وصعابها، وعلى تحمّل أعباء هذه الدعوة والرسالة، وقد قال الله تعالى : {
إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ الزمر : 10 ] .
2- خلق التسامح: الإسلام دين الحنيفية السمحة، ورسول الله رسول المحبة والتسامح. ألم يقل لأهل مكة اذهبوا فأنتم الطلقاء (ابن هشام) بعد أن دخل مكة فاتحاً، فعفا عنهم وسامحهم. ألم يسع قلبه الكبير أبناء الطائف وأهلها وهم الذين ألقوا عليه الحصى والحجارة وطاردوه في بلدهم حتى عندما جاءه ملك الجبال عارضا عليه أن يطبق عليهم الأخشبين قال له: (
بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً ) رواه مسلم. ورمضان يعلمنا أن نعزز خلق التسامح فيما بيننا، ويطهر قلوبنا من أدران الحقد والغيرة والحسد ليزرع مكانها التراحم والتسامح وفتح الصفحات الجديدة المشرقة، وها هو يعلمنا في رمضان فيقول
![Sad](/users/4111/92/71/58/smiles/731836.gif)
فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني صائم ) رواه البخاري ومسلم.
3- خلق الأخوة: ويتجلى هذا بأبهى صوره عندما تتوحد الأمة من مشرقها إلى مغربها على عبادة واحدة، وعلى سنن واحدة، فهي تصوم وتمتنع عن حلال الدنيا في وقت واحد عند بزوغ الفجر وعند غياب الشمس، وتجتمع في وقت الإفطار في أبهى صورة من صور التوحد الأخوي. تتحدث في شؤونها وشجونها وتتفاعل مع قضاياها وهمومها ، فليس بمسلم من لم يهتم بأمر المسلمين، وهكذا يعزز رمضان روح الأخوة الإيمانية في نفوس المسلمين.
4- خلق المحبة والتواصل: والإسلام يريد غرس القلوب بالمحبة والطاعة،( فلا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف) أحمد، ورمضان جاء ليعزز من بناء جسور التواصل بين الناس، ويعمّق من أصول المحبة في قلويهم، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (
من فطّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء ) الترمذي . وبهذا المعنى يتعزز التواصل وتزداد الصداقات ويتعمّق الحب، وتتوثّق رابطة الأخوة الإيمانية.
5- خلق التوسط والاعتدال: الإسلام دين الوسطية . وأمتنا امة الوسط وقد قال الله تعالى فيها : {
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [ البقرة : 143 ] ، فلا إفراط يؤدي إلى العجز عن القيام بالواجبات وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
لن يشاد الدين أحد إلا غلبه) البخاري. ولا تفريط يجعل الإنسان يركن إلى حياة الترف في هذه الدنيا الزائلة، إنما توسّط واعتدال في كل شيء بحيث يحيى الإنسان في طاعة ربه دون أن يعقّد الحياة على نفسه، فضلاً عن أن يعقّدها على الناس.
لعل من أهم مبادئ وسطية واعتدال الإسلام التي أراد رمضان تكريسها هي في إيجاد الإجابات المطمئنة لكل الأسئلة والمشاكل التي تحيّر البشرية في هذا القرن وفي غيره من القرون، وتخرجها من أزماتها. فأهمية هذا الدين تكمن في الخصوصية التي تمتع بها عندما انفرد دون غيره في إمكانية إيجاد المخارج للناس من ظلمات الحياة المختلفة وقد قال الله تعلى : {
الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [ إبراهيم : 1] ، ولكن هذه الإمكانية تختفي وتزول عندما يفقد الإسلام ميزة التوسط والاعتدال التي أرادها الله له، وبالتالي فقد يفقد إمكانية إيجاد المخارج، فتتعطل مسيرة الحياة أو تخرج عن جادة الصواب، ورمضان يعيد بناء هذا الخلق في نفوسنا وقلوبنا لتعود الأمة إلى اعتدالها وتوسطها.